العودة إلى الأعلى

كيف يمكن للمنتجات المالية المبتكرة أن تساعد الشباب العربي على تحسين ظروف حياتهم

يفسر جاستن سايكس أهمية برامج محو الأمية المالية والمدخرات الشباب في التنمية الاقتصادية.

إن الاضطرابات السياسية السائدة في العالم العربي كان لها ثأثيراً ملحوظاً على النظم الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي. وكما تولّى الشباب الدفع باتجاه هذا التغيير، ها هو يؤثر بهم أيضاً بطرق تتطلب حلولاً مبتكرة وعاجلة.

ومع ما تواجهه اليوم عدة حكومات من تقلبات مستمرة، فإنّ الحلول الهيكلية ستستغرق سنوات، وستكون في نهاية المطاف غير كافية. ولهذا السبب تتجه المؤسسات المحلية، الحكومية والخاصة، إلى التشارك مع وكالات دولية مانحة، لمساعدة الشباب في الوصول إلى الأدوات التي يحتاجونها في تحسين حياتهم.

إحدى هذة ألادوات هي القدرة على الادخار. تعالوا نتأمل هذا المشهد: في معظم أنحاء العالم، يمتلك أكثر من ثلث الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً حسابات في القطاع المصرفي الرسمي. وتتضمن هذه الإحصائية بلدان كثيرة بما فيها جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا. أما بالعالم العربي، فيتخلف وراء كل مناطق العالم الأخرى، حيث يفتقر قرابة تسعة من أصل عشرة شباب إلى حساب مصرفي رسمي. وأكثر من ذلك، فإنّ اثنين بالمئة فقط من الشباب العربي سبق لهم أن ادّخروا أموالهم في مؤسسات مالية رسمية.

هذة الأرقام تعني الكثير. فالادخار المالي، حتى ولو كان بمبالغ بسيطة، يوفر للشباب مدخلاً إلى القطاع المالي الرسمي، يحدّ من تعرضهم للازمات الاقتصادية، كما ويوفر ضمانات للمؤسسات المالية لتزويدهم بالقروض لإنشاء و تطوير مشاريعهم الصغيرة.

العقبات

إذن، دعونا نتسائل عن الأسباب وراء انخفاض معدلات الادخار بين الشباب العربي؟ فنجد أن التشريعات الحالية فرضت قيوداً في كثير من الدول على أن توفر خدمات الادخار، وحصرتها في عدد محدود من المؤسسات، هي في الغالب بنوك أو صناديق بريدية تديرها الدولة. وعلى القدر ذاته من الأهمية، ركز القطاع المالي في المنطقة على شريحة نخبوية محدودة من السوق، وتباطأ بالتالي في تطوير منتجات مصرفية للعموم.

لكن هذا الواقع بدأ بالتغيّر، كثمرة لمجموعة من الضغوط السياسية، التشريعات الحكومية الجديدة و المنح التمويلية من جهات محلية و دولية.

 

الأسواق الصاعدة

بدأت البنوك بالتواصل مع الفئات الشبابية المهمشة، و ذلك بعد أن لمست فيهم فرصة أقتصادية كبيرة غير مستغلة في السوق. ففي اليمن والمغرب، على سبيل المثال، تهيمن فئة الشباب على التعاملات مع قطاع التمويل الأصغر، وبخاصة أولئك الذين يدخلون حديثاً سوق العمل. ومردّ ذلك، أنّ ما يطلق عليه اسم “الوفرة الشبابية” في العالم العربي يمثّل هدفاً واضحاً لمزوّدي الخدمات من مختلف القطاعات.

ولا يمثّل قطاع الخدمات المالية استثناء، إذ باشرت بنوك عديدة، في اليمن والمغرب ومصر وغيرها، العمل على نيل حصة في سوق الشباب، بل واستخدام منتجات الادخار كوسيلة لطرح خدمات أخرى للشباب، مثل قروض المشاريع متناهية الصغر و المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

خطوات واعدة أولى

نتيجة لهذا الاهتمام النشط، وكنوع من المحاكاة لمبادرات الادخار الشبابي العالمية، مثل برنامج “يوث ستارت” التابع لصندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية ومؤسسة ماستر كارد الخيرية، قامت مؤسسة “صلتك”، بالشراكة مع “الوكالة الألمانية للتعاون الدولي” (GIZ)، و”سنابل” (شبكة التمويل الأصغر العربية)، بطرح مبادرات للأدخار موجّهة لخدمة الشباب العرب ذوي المدخول المنخفض، ممّن تتراوح أعمارهم ما بين 16 و30 عاماً.

نضجت الفكرة في 2010 مع برنامج تجريبي للأدخار الأصغر، طرحه بنك الأمل للتمويل الأصغر في اليمن. والذي استطاع في غضون ثلاث سنوات من تمكين أكثر من 11 ألف شابة وشاب من فتح حسابات ادخار، جمعت رصيداً نشطاً يبلغ 276734 دولاراً أمريكياً.

وبعبارة أخرى، فإنّ هذا المشروع الرائد، الذي أقيم في بلد يعاني من نسب فقر عالية و عدم استقرار سياسي، أثبت ما كان يشكك به كثير من المراقبين، وهو أن المدخرين الشباب يمثلون فرصة تجارية رابحة. الأمر الذي لفت انتباه المؤسسات المالية الرسمية في جميع أنحاء المنطقة.

دفع ذلك مؤسسة “صلتك” بأن توسع دائرة الشراكات في مصر والمغرب، حيث أن البنك الأهلي المصري والبريد بنك المغربي، يطوران منتجات إدخارية و إقراضية بشروط مناسبة، فعلى سبيل المثال: يشترط البريد بنك حدّاً أدنى يعادل 6 دولارات أمريكية فقط، مع فترة “إقفال” إلزامية، تشجع العملاء على المشاركة الطويلة بما يكفي لدعم وضعهم الائتماني..

بناء ثقافة مالية

وحفاظاً على هذا الزخم، وتشجيعاً لمزيد من الشباب على المشاركة، وخاصة من المجتمعات الفقيرة المهمشة، سيتم تخصيص خدمات بنكية خاصة لعملاء حسابات التوفير، يعمل فيها موظفون مدربون لتثقيف الافراد مالياً. ذلك بتقديم معلومات عند فتح كل حساب، مثل كيفية احتساب الفائدة، وطرق إدارة الديون. يهدف ذلك جزئياً إلى محو الأمية المالية، وتعزيز موارد تثقيف السوق.

لكن تثقيف العملاء الأفراد ليس كافياً. لذا فإنّ “صلتك” تتطور برامج تهدف إلى بناء ثقافة ادخار ومسؤولية مالية بين عموم الشباب العرب. على سبيل المثال لا الحصر، إطلاق حملات على وسائل الإعلام الاجتماعي، ترمي إلى توعية الشباب بالمنتجات الجديدة التي تتوفر لهم في السوق و كيفية مساهمتها في تحسين ظروف حياتهم.

الخطوات المقبلة

ومن المتوقع أن تصل مبادرة “صلتك” للادخار إلى ما يقرب من 150 ألف شابة وشاب في مصر والمغرب واليمن، يحصلون معها على تدريب تثقيفي على الادخار الأصغر والشؤون المالية. لكنها ليست برامجها وحدها، إذ ستلقي “صلتك” وشركاؤها نظرة عن كثب على نجاحات البرنامج وتعثّراته في سنته الثانية. فإذا ظلّ ما تعلمناه صحيحاً حتى الآن، ومازال البرنامج يستقطب أعداداً متزايدة من المدخرين الشباب، فإن الرهان سيتوسع ليشمل حسابات ادخار شبابية في مزيد من بلدان المنطقة.